رغم أن الجمعيات الحقوقية ذات التوجه الحداثي تدافع عن إلغاء تعدد الزوجات في المغرب، فإن موقف جمعيات المجتمع المدني التي استمعت إليها اللجنة الملكية الاستشارية، التي أشرفت على تعديل مدونة الأحوال الشخصية (مدونة الأسرة حاليا) أيّد أغلبها الإبقاء على التعدد.
وبلغ عدد الجمعيات، التي استعمت إليها اللجنة الاستشارية المكلفة بتعديل مدونة الأحوال الشخصية، 57 جمعية وقتها، منها 20 جمعية دعت إلى إلغاء تعدد الزوجات، في حين اقترحت 27 جمعية الإبقاء على التعدد، لكن بقيود وشروط، فيما اقترحت 10 جمعيات الإبقاء على التعدد “لأنه ثابت بنص قطعي وفيه مصلحة”.
وحسب محضر الأعمال التحضيرية لمدونة الأسرة، المضمّنة في مجلد من 951 صفحة، دوّنها ستة من أعضاء اللجنة، برئاسة إدريس الضحاك، فإن الرأي المؤيد لإلغاء التعدد استند إلى تبريرات مستمدة من نصوص القرآن الكريم والسنة، ومن عوامل اجتماعية ونفسية، منها أن التعدد “إهدار لكرامة المرأة”.
واستند مؤيدو هذا الطرح على الآية: “يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذي تسّاءلون به والأرحام”، وقوله تعالى: “ولن تستطيعوا أن تَعدلوا بين النساء ولو حرصتم”، والآية: “وإن خفْتم ألا تعدلوا فواحدة”، وانسجاما مع موقف الرسول عندما غضب لما أراد علي أن يعدد على ابنته فاطمة الزهراء، حيث قال: “إنها بضعة مني يضرّني ما يضرّها”.
واعتبر معارضو تعدد الزوجات أن التعدد، وإن كان الأصل فيه هو الإباحة مع اشتراط العدل، فإن استحالة تحقيق العدل “تعتبر إجازة لتوقيف إباحة التعدد”؛ كما دعوا إلى استحضار مبدأ المساواة بين الجنسين المنصوص عليه في الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، والمساواة أمام القانون التي ينص عليها الدستور المغربي، وكون التعدد تترتب عنه مشاكل تمس باستقرار أعضاء الأسرة.
إضافة إلى ذلك اعتبرت الجمعيات الداعية إلى إلغاء التعدد أنه “يلحق أضرارا نفسية واجتماعية بالمرأة وأسرتها، كما أنه سبب من أسباب عدم استقرار الأسرة وعامل من عوامل استبداد الزوج وإهانته للزوجة”.
ولم تكتف هذه الجمعيات بالتعبير عن كون وضعية التعدد “لا تجد لها مبررا معقولا”، ودعوتها إلى منعه، بل اقترحت وضْع عقوبات زجرية على من يمارسه.
ودعا الرأي الذي أيد الإبقاء على التعدد، لكن بقيود وشروط، إلى التفكير في عدم إجازته إلا في حالات تحدد حصرا بنص قانوني وعلى ضوء الشريعة والتطور الاقتصادي والاجتماعي، من منطلق أن الأصل هو منع التعدد لصعوبة تحقيق العدل، ولكونه “أصبح يكتسي طابعا سلبيا أكثر منه إيجابيا لما قد ينجم عنه من المس بكرامة الزوجين”.
ورأت الجمعيات التي اقترحت الإبقاء على التعدد، لكن بقيود وشروط، أن له آثارا على استقرار الأسرة، ويتسبب في الصراع العائلي، كما أنه لا يضمن حماية الأسرة الأولى من تعسف الزوج وتصرفاته، “ولذا وجب اعتبار أن الأصل في الزواج هو المرأة الواحدة، ولا يسمح بالتعدد إلا في حالات الاستثناء القصوى والمبررة بأسباب موضوعية”.
ولا يمثل تعدد الزوجات إلا نسبة ضئيلة جدا من مجموع الزيجات في المغرب. فحسب المعطيات الواردة في مجلد الأعمال التحضيرية لمدونة الأسرة، فإن نسبة الرجال المعددين من مجموع الرجال البالغين 15 سنة فما فوق لا تتجاوز 0.8 بالمئة (0.9 بالمئة في البادية، و0.7 بالمئة في المدينة).
الاختلاف بين جمعيات المجتمع المدني إزاء مسألة إلغاء تعدد الزوجات ساد أيضا بين أعضاء اللجنة الاستشارية لتعديل المدونة، حيث شكّل محور مناقشات بين مؤيد للمبدأ ورافض له وطالب بتقييده.
واعتبر أحد أعضاء اللجنة الاستشارية أن القرآن الكريم عندما تحدث عن التعدد بدأ بقوله تعالى: “فانكحوا ما طاب لكم من النساء…”، ثم عقب بقوله تعالى: “فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة..”، ليخلص إلى أن هذه الصيغة تدل على أن الأصل هو التعدد، وأن الاستثناء لا يكون قبل المُستثنى منه في الأسلوب العربي.
ويُلاحظ من خلال ما هو مدوّن في الأعمال التحضيرية لمدونة الأسرة أن الرأي المدافع عن التعدد داخل اللجنة الاستشارية دافع بشدة عن هذا المبدأ، معتبرا أن تقييد التعدد ورفعه إلى القاضي بشروط “يُعتبر تحايلا على إبطال الحكم الشرعي ولا يقبل أحد التحايل على الشرع”.
في الاتجاه نفسه، أكد عضو آخر من أعضاء اللجنة الاستشارية أنه مع التعدد لوروده في القرآن، مع تقييده بالعدل، معتبرا أن أي حل يتفق عليه “ينبغي ألا يصطدم مع النص، بل يجب أن يوافق المنهج القرآني السني ويحلّ بعض الإشكالات المطروحة على الساحة الإسلامية”.
في المقابل اعتبر الرأي المعارض لإبقاء باب التعدد مفتوحا على مصراعيه داخل اللجنة الاستشارية أن المسألة ينبغي أن تعالج من كل جوانبها الاجتماعية والنفسية، ومدى تأثير ذلك على الأطفال والأسرة عموما، وألا يُنظر إليها من زاوية الزوج فقط.
وأضاف هذا الرأي أن “التعدد يُحدث تصدعا داخل الأسرة، ويؤدي في غالب الحالات إلى تشرد الأطفال وانحرافهم، بالإضافة إلى ما يشكله من تهديد للمرأة داخل الأسرة، وإلحاق الضرر بها”.
وأوضح أعضاء من اللجنة أن الحياة الزوجية تكون أكثر استقرارا واطمئنانا مع زوجة واحدة والعيش في بيت واحد، وأن الواقع يشهد أن ظاهرة التعدد في تراجع نتيجة للعديد من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
وبالرغم من ذلك، فإن الطرف الذي عارض فتح الباب على مصراعيه للتعدد لم يدْعُ إلى منعه بشكل مطلق، من منطلق أنه “قد يكون علاجا لحالات اجتماعية وأوضاع أسرية مستعصية”، داعيا إلى اعتباره “رخصة يمكن استعمالها عند الضرورة واستثناء من الأصل وليس العكس، وذلك بتقنينه وضبط حالاته بقيود قانونية تحد من التعسف في استعماله”.
ونصت مدونة الأسرة في المادة 40 على أنه “يمنع التعدد إذا خيف عدم العدل بين الزوجات، كما يمنع في حالة وجود شرط من الزوجة بعدم التزوج عليها”.