سلا مدينة البطولات الخالدة والعلم والابداع لقبت بمدينة (السبعة أبواب، ومدينة القراصنة، ومدينة الشموع، ومدينة الأولياء)، تسعى باستمرار لتقوية جاذبيتها الاقتصادية والسياحية من أجل تصنيفها ضمن التراث العالمي خاصة أنها مصنفة ضمن لائحة التراث الوطني بظهير ملكي.
الموقع:
تقع مدينة سلا بجهة الرباط -سلا- القنيطرة، على مساحة إجمالية تقدر ب: 95,48 كلم2 وهي تحد من الشرق بإقليم الخميسات، و من الجنوب بعمالة الرباط (عاصمة المغرب) ومن الغرب بالمحيط الأطلسي ومن الشمال بإقليم القنيطرة.
السكان:
يقارب عدد سكانها المليون نسمة، بنسبة نمو % 2.8 سنويا. أكثر من 98 % منهم مسلمون ينتمون لشرائح اجتماعية مختلفة.
يعمل جزء من سكان المدينة في الإدارة العمومية، والخدمات والتجارة والبناء والأشغال والصناعة التقليدية التي تعد أهم قطاع بالمدينة، إذ تمثل سلا ثالث قطب وطني في هذا المجال بعد كل من فاس ومراكش.
التاريخ:
- سلا قبل دخول الإسلام إلى المغرب:
كانت مدينة سلا في البداية عبارة عن قرية صغيرة يرجع بناءها إلى 1500 قبل الميلاد تقريبا وقد وقعت تحت السيطرة القرطاجية ومن بعد تحث السيطرة الرومانية وذلك في بداية القرن الأول الميلادي، واستمرت تابعة للرومان خمسة قرون
ويعود تاريخ تأسيس المدينة للقرن 11 الميلادي على يد أسرة بنو عشرة العريقة والثرية عندما شيدوا قصرا في موقع مرتفع محاد لموقع المسجد الأعظم في “حومة الطالعة”، لذا، حملت المدينة في بعض النصوص التاريخية تسمية “مدينة بني العشر”
وقد ساهم أيضا بنو يفرن الزناتيون في تأسيس مدينة سلا الحالية، بزعامة موسى بن أبي العافية، وقد اتخذوا من سلا عاصمة إمارتهم التي امتد نفوذها من فاس إلى تادلا وأغمات عبر دير الأطلس الكبير.
- سلا في عهد الإمبراطوريات المغربية:
شهدت المدينة خلال هده الفترة زيادة في العمران، واستمرت في التوسع والإزدهار مع مجيء الدولة المرابطية (1061م-1146م) وقضاءها على بني يفرن في المدينة، حيث توسعت المدينة خارج أسوارها منذ هذا العهد، فقد أنشأ يوسف بن تاشفين مسجدا جديدا للجمعة وهو جامع الشهباء، بعيدا عن نواة المدينة، في اتجاه الشرق. وفي عهد الدولة الموحدية (1130م-1269م)، اتخذ الخليفة الموحدي عبد المومن بن علي من سلا دار مقام له بعد مراكش وعرفت المدينة خلال هذه الفترة اتساعا عمرانيا مهما وازدهارا اقتصاديا كبيرا وخاصة بعد اعتلاء يعقوب المنصور الموحدي للحكم، حيث بويع في المدينة بعد رجوعه من الأندلس، وشيد جامعها الأعظم على أنقاض جامع بني عشرة إثر انتصاره في معركة الأرك. وخلال نفس الفترة أسس في ضفتها الجنوبية مدينة رباط الفتح (الرباط الحالية). وقد أصبحت بذلك مدينة سلا أم مدن المنطقة ينسب إليها الرباط (رباط سلا أو سلا الجديدة) والقصبة (قصبة سلا) وشالة (شالة سلا) وتسمى مجتمعة “مدن سلا” سواء في كتب التاريخ والوثائق الإسلامية والأوربية إلى القرن الثامن عشر
- ازدهار العلم والدين إبان فترة سلا المرينية
استمرت مدينة سلا الحديثة في النمو في عهد الدولة المرينية (1216م-1465م)، تميزت المدينة خلال تلك الفترة، بانتشار تيار الزهد والصلاح فأصبحت مدينة علمية ووجهة مفضلة ومشهورة داخل المغرب وخارجه للخلوة والعبادة والنسك، وانتقل إليها عدد من الشيوخ العارفين والمريدين السالكين، وعلى رأسهم: ابن العباس أو سيدي بلعباس (توفي 1145م)، وأبو موسى الدكالي، المعروف ب”سيدي موسى”، والعالم والصالح سيدي بنعاشر: أحمد بن محمد ابن عاشر الشميني الأندلسي الطبيب”، الولي الشهير، دفين سلا.
شهدت المدينة تقدم الصناعات والمعارف بفضل المؤسسات التي أنشأها ملوك بني مرين في المدينة: مثل” دار الصناعة” سنة 1261م بالزاوية الجنوبية الشرعية للمدينة (الحي اليهودي أو الملاح) لصناعة السفن الجهادية والتجارية، ومدرسة الطالعة أو المدرسة العظمى سنة 1333م، والمدرسة الطبية أو المدرسة البوعنانية (المارستان) سنة 1356م
ورغم الإزدهار الذي طبع سلا في العهد المريني، فإن المدينة عانت في أواخر هذه الدولة، وفي عهد الدولة الوطاسية من الإهمال والتدهور وترافق ذلك مع توالي الأوبئة والجفاف، فتراجعت تجارتها وأسواقها
- من الاستيطان الأندلسي إلى مركز القرصنة العالمية
استوطنت المدينة خلال عهد الشرفاء السعديين والعلويين جالية أندلسية بعد قرار الطرد النهائي من بلادهم، فأصبح السلاويون يتحدثون اللغة الإسبانية إلى جانب اللغة العربية، كما ساهمت هذه الجالية في تطوير وسائل الري وأدخلوا شجر التوت وتربية دود القز، فقامت صناعة الحرير في سلا إلى جانب صناعاتها القديمة في القطن والكتان والصوف، وركزوا اهتمامهم على الجهاد البحري.
وخلال نفس العصر؛ وفي الفترة الانتقالية بين الدولة السعدية والعلوية شهدت سلا بروز إمارة المجاهد محمد العياشي تلميذ الولي عبد الله بن حسون أحد صلحاء سلا، الذي كاد يستولي على المغرب كله، كما أشرف على تكوين وتسيير أسطول الجهاد البحري الذي كان يسميه الأوربيون أسطول “قراصنة سلا”
- سلا.. فترة حكم الرشيد بن علي الشريف إلى تحولات ما بعد الاستقلال.
في حكم المولى الرشيد بن الشريف العلوي على سلا، قام بتأميم أمر القرصنة، وعلى نهجه صار المولى إسماعيل، وهكذا دخلت مدينة سلا عهد جديدا على قدر كبير من القوة والجرأة والتردد على السواحل الأوروبية والتجول في خلجانها وجزرها
وقد شهدت مدينة سلا خلال الفترة المعاصرة تقدمًا في مجال التعليم والعلوم، وأصبحت مركزًا للتخصصات المتقدمة، مما أدى إلى جذب الطلاب والعلماء من مختلف المناطق لاستكمال دراستهم وتقديم إسهاماتهم في مجالات متعددة.
ولعبت أدورا ثقافية إصلاحية عديدة، حيث كان لرجالات سلا دور في تطوير المجتمع ومساعدة الحكومة على مواجهة الضغوط الخارجية والأطماع خلال النصف الثاني من القرن 19م، من أمثال: قاضي القضاة عبد الله ابن خضراء مستشار الدولة وأمين مصاريفها، وعلي زنيبر صاحب مشروع الدستور المعروف.
كما أنها كانت سباقة ورائدة في ميدان الصحافة والنشر، حيث صدر فيها خلال الثلاثينيات “جريدة المغرب”؛ أول جريدة يومية حرة بالمغرب، ودورية ثقافية ملحقة بها وهي “الثقافة المغربية” لسعيد حجي، وجريدتان أسبوعيتان هما: “الوداد” لمحمد اشماعو، و”التقدم” لمحمد بن حساين النجار. وفي “مطبعة المغرب” التي أسسها سعيد حجي في الثلاثينيات نشرت عدة كتب في تاريخ المغرب وحضارته، اللغة العربية وآدابها.
بعد استقلال المغرب، عرفت سلا توسعًا كبيرًا خارج الأسوار، حيث زاد عدد سكان المدينة بشكل كبير نتيجة توافد المهاجرين من المدن والقرى، وكذلك الموظفين الذين يعملون في الإدارات العامة بمدينة الرباط. تحولت سلا إلى مدينة ذات مليون نسمة، حيث تضم مجتمعًا متنوعًا من حيث الطبقات الاجتماعية والتنوع الثقافي في شوارعها وأزقتها.
المعالم:
تزخر مدينة سلا بالمعالم الأثرية التاريخية والحضارية الشاهدة على تاريخ عريق، منها أسوار المدينة التي يقدر طولها بنحو 4,5 كيلومترا، وترصعه سبعة أبواب عتيقة وعريقة، أكبرها باب المريسة الذي أقامه السلطان المريني أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق، ويعد من الأبواب التاريخية الكبرى بالمغرب حاليا
وتميزت الهندسة المعمارية للأسوار بنموذج فريد لتزويد المدينة بالمياه، كما يشهد على ذلك سور الأقواس الذي تم تشييده في العصر الموحدي وتجديده في العهد المريني، وهو عبارة عن قناة مائية محمولة على سور طوله 14 كلم انطلاقا من عين البركة بمنطقة بالمعمورة إلى غاية مكان تجميع الماء في باب شعفة ليتم توزيعه على أحياء المدينة عبر شبكة من القنوات تحت الأرض.
ومن معالم المدينة الشهيرة المسجد الأعظم الذي بناه السلطان الموحدي يعقوب المنصور نهاية القرن 12 للميلاد، ويعتبر ثالث أكبر مسجد في المغرب بعد مسجد القرويين في فاس ومسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء، بالإضافة إلى المدرسة المرينية وقصبة كناوة ولا يمر أي زائر بمحاذاة باب من أبواب المدينة العتيقة مثلًا، دون أن ينتبه إلى المسحة الجمالية المميزة لأبراج عظيمة زينت أسوار سلا كانت في وقت سابق تؤدي دور البطولة في حماية المدينة من غارات الأساطيل الأجنبية ومن أبرزها برج الدموع المعروف باسم برج سيدي بنعاشر أو اسقالة القديمة أو برج القايد ولهذا البرج حكاية مفادها أن السلطان المريني أبو يوسف يعقوب شارك بنفسه في تحصين المدينة بعدما تعرضت لمجزرة رهيبة ارتكبها القشتاليون الإسبان سنة 1260 عندما هاجموا المدينة، والأهالي منشغلون بالاحتفال بعيد الفطر.
وبينما هو يقف على أشغال البناء، كانت دموع السلطان تجري كلما تذكر فظاعة المجزرة التي ارتكبت بحق السلاويين، فحمل البرج اسم برج الدموع.
وتشهد المدينة اليوم المراحل الأخيرة من أشغال بناء “برح محمد السادس”، أعلى بناية في أفريقيا بطول 250 مترا و55 طابقا ينضاف إلى إنجازات المغرب الحديث في مجال المعمار باعتباره مبنى ذو جودة بيئية عالية تم تتوجه بجائزة ”أفضل أداء في مشروع هندسي”، خلال انعقاد تظاهرة “كامينوس مدريد 2022”. وتعتبر هذه الجائزة السنوية، الممنوحة من طرف هيئة المهندسين المدنيين الإسبانيين بمدريد، مرجعا في عالم البناء، وهو معلمة ومفخرة معمارية لكل المغاربة.