تتوالى قصص ضحايا الهجرة الغير نظامية بالمغرب، بعد أن تبين اختفاء عدد كبير منهم خلال محاولتهم العبور صوب “الفردوس الأوروبي”.
قضى محمد الذي يبلغ من العمر عشرون سنة ما يزيد عن ثلاث أيام بعرض البحرفي قارب مطاطي كان على متنه أزيد من 50 شخصا مرشحا للهجرة، أغلبهم ينحدرون من إقليم بني ملال، كانوا خلال رحلتهم المشؤومة يصارعون الموت، قبل أن يتم انقاذهم من طرف البحرية الملكية يوم الثلاثاء 29 غشت 2023 بمدينة طانطان (جنوب المغرب) بعدما خلفت رحلتهم ست قتلى أربعة منهم لم يتم العثور على جثثهم بعد.
يقول محمد وهو أحد الناجين من فاجعة طانطان “ ركبنا الزودياك(قارب مطاطي) كلنا أمل في حياة أفضل وعيش كريم، لكن سرعان ماتحول الحلم الى كابوس بعدما توقف بنا محرك القارب، تذوقنا مرارة الجوع والعطش وتجرّعنا الهم والخوف من الغرق ويضيف قائلا: رأيت بأم عيني أحد المهاجرين من شدة الهلع أصبح كالمجنون قبل أن ينهي حياته غرقا بعد أن قفز إلى البحر، ولا زالت صرخاته في أذني وهو يستنجد “”وامِي وامِي وامِي..”” لم نستطع إنقاذه فقد توقف القارب بعدما نفد منه البنزين وجرفته الأمواج بعيدا”
محمد هو واحد من بين ألاف الشباب المغاربة الذين يحلمون بأوروبا كوجهة للحد من الفقر بالرغم من معرفتهم المسبقة بالمخاطر التي قد تنطوي عليها الرحلة، وعدم توفر الشروط الأساسية لضمان سلامتهم وحمايتهم وهذا ما أكده لي ياسين المنحدر من إقليم خنيفرة (الأطلس المتوسط للمملكة المغربية) في تصريح خصني به عبر منصة التواصل الفوري بعد أن قمت بالتواصل معه عبر الصفحة الفايسبوكية (هجرة نيوز) والتي خصصها القائمون عليها للتوعية بمخاطر الهجرة ونشر مستجدات المفقودين.
بعد خمس محاولات فاشلة عاش خلالها ياسين في مواجهة الموت وبنبرة صارمة كلها يأس مستنكرا قلة فرص العمل في المغرب، فضلا عن ارتفاع الأسعار والبطالة يقول: “ خمس مراة كنموت وكنعاود نحيا ومزال غنعاود ان شاء الله أصلا متنا شحال هدي”
حلم الهجرة: المغرب ضمن أكثر البلدان التي توفي مواطنوها في محاولة للهجرة
في تقرير لها حول وفيات الهجرة عبر العالم، كشفت المنظمة الدولية للهجرة أن المغرب ضمن أكثر البلدان التي توفي مواطنوها في محاولة للهجرة.
وبحسب الوثيقة نفسها فقد كان عـام 2022 عامـاً مأساويا فيمـا يخـص الهجـرة في منطقـة الـشرق الأوسـط وشـمال أفريقيا، حيث ارتفعــت الوفيــات في عـام 2022 إلى 6877 حالة مقارنـة بالعام الســابق (6086)
وأكدت المنظمة الدولية للهجرة أن “الأرقـام التـي ســجلها مـشروع المهاجريــن المفقوديـن تعتبر أقل بكثير مـن العـدد الحقيقـي، بســبب نقـص المعلومـات وعــدم وجــود آليات للإبلاغ الرســمي والمنهجــي عــن الوفيــات وحــالات الاختفــاء، حيــث يواجــه المجتمــع المــدني العديــد مــن الصعوبــات لتوثيــق حـوادث الهجـرة التـي تحـدث في المنطقـة ”
أبرز العوامل الرئيسية التي تدفع الراغبين في الهجرة إلى خارج المغرب هما العامل الاقتصادي والاجتماعي ثم العامل السياسي، فاستفحال البطالة والفقر وقلة فرص الشغل وظروف العيش القاسية، تعد من العوامل الأساسية التي تجعل الأفراد يبحثون عن حياة أفضل خارج البلاد، بالإضافة إلى ذلك، فإن فقدان الثقة في المؤسسات الرسمية والأحزاب السياسية والبرلمان يزيد من رغبة الأفراد في الهجرة بحثًا عن فرص جديدة.
يشير تحليل الأسباب التي اختارها المستجيبون الذين يرغبون في الهجرة، بوصفها دوافعَ إلى هجرتهم، إلى أن السبب الأهم في ذلك، هو تحسين أوضاعهم الاقتصادية (بنسبة 55%).
وكانت الهجرة من أجل التعليم أو متابعة التعليم الدافع الثاني بنسبة 13 % من مجمل الذين يرغبون في الهجرة.
ألم الغياب: كيف يؤثر اختفاء الأحباء على حياة الأسر؟
في ظل عدم وجود معلومات دقيقة حول المفقودين في البحر يعيش أفراد عائلاتهم حالة من الحزن والفقدان، يمكن أن يكون هذا الشعور مكثفًا ويستمر لفترة طويلة، مما يؤثر على الصحة النفسية والعاطفية لهؤلاء الأفراد، فعدم تقبل الغياب المبهم يولد لدى الأسرحالة من الترقب والتوترالدائم، حيث لا يعرفون ما إذا كانوا سيسمعون أخبارًا جيدة أم سيظلون في حالة عدم اليقين.
هذا ما دفع عائلات أبناء “العطاوية” المفقودين الخروج إلى الشارع في وقفات احتجاجية لمطالبة الجهات المسؤولة بالعمل على الكشف عن مصير أبنائهم الذي لا زال غامضا إلى حدود الساعة
وتعود تفاصيل القصة إلى خروج 51 شخصا من مدينة العطاوية (قرب مراكش) من بينهم امرأتان وقاصران فجر الأحد 11 يونيو 2023 في محاولة للهجرة من أكادير اتجاه جزر الكناري
مجهودات الدولة المغربية في مكافحة الهجرة
اليوم لايمكن أن ننكر مجهودات الدولة المغربية في مكافحة الهجرة غير الشرعية، حيث قامت إجمالا بإجهاض 63.121 محاولة للهجرة غير الشرعية ونزوح غير نظامي، وتفكيك 256 شبكة إجرامية لتهريب المهاجرين، فضلا عن إنقاذ 14.236 مهاجرا في عرض البحر، حسب ما جاء في إحصائيات رسمية. (وكالة المغرب العربي للأنباء)وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها السلطات المغربية ومختلف المنظمات والجمعيات الراعية لشؤون المهاجرين، لا يزال عدد المفقودين في تزايد تاركين عائلات يائسة تبحث عن إجابات.
في دعوة لحماية المهاجرين جددت المنظمة الدولية للهجرة دعوتها لحماية المهاجرين وحقوقهم من خلال تكريس جهود البحث والإنقاذ، والتحقيق مع المهرّبين والمتاجرين ومقاضاة من يستغلون يأس الناس وضعفهم.
وينبغي أن يشمل إعطاء الأولوية للبحث والإنقاذ في البر والبحر، بما في ذلك إنهاء تجريم الجهات غير الحكومية التي تقدم المساعدة الإنسانية للمهاجرين المعرّضين للخطر.
وفي نهاية المطاف، أكدت المنظمة الدولية للهجرة على أنه يجب على الدول مراجعة تأثير سياسات الهجرة الخاصة بها لضمان الهجرة الآمنة والتقليل من أدنى حد من مخاطر وفاة المهاجرين أو فقدانهم.
ما هو رأيك في هذه الظاهرة الاجتماعية؟