الدولة الاجتماعية.. وماذا عن الجماعات الاجتماعية؟

سعيد كان

كان “السي علي” يضطر كلما احتاج إلى وثيقة السجل العدلي، أن يقطع مئات الكيلومترات وصولا إلى مسقط رأسه، كي يطلبها من مكتب الضبط في المحكمة الابتدائية.

الوثيقة لم تكن تكلف أكثر من طابع رسمي بعشر دراهم، لكن “السي علي” كان يصرف نحو ستمئة درهم كي يحصل عليها، بين تذكرة الناقلة ومصاريف السفر، إضافة إلى هدر يومين على الأقل، ذهابا وإيابا إلى مسقط رأسه..

بعد سنوات، احتاج “السي علي” إلى الوثيقة من جديد، فكلف حفيده بأن يقوم بالمهمة، بعد أن يمضي له توكيلا يخوله استخراج السجل العدلي بدلا عنه، لكنه دهش حين ابتسم حفيده وأخرج هاتفه من جيبه وشرع في رقن معلومات جده على الشاشة، ثم يخبره بأن الوثيقة ستكون جاهزة يوم الغد، في المحكمة الابتدائية التي تبعد عن سكناه بخطوات .

ما لم يعرفه “السي علي” هو أن بعضا من الكلمات التي كان يسمعها في نشرات الأخبار ولا يفهمها – من قبيل اللاتمركز وسياسة القرب –  هي السر في توفيره هذه المرة لمصروف السفر واستغناء حفيده عن تضييع يومين ذهابا وإيابا إلى مدينته للحصول على وثيقة.

قصة “السي علي” هي مجرد نموذج عن مثيلاتها تتكرر مع أناس آخرين في مناطق مختلفة، ولا زالت بعضها سارية إلى اليوم، على الرغم من رفع شعار اللاتمركز وسياسة القرب.

واليوم مع رفع شعار الدولة الاجتماعية، لا يمكن أن نغفل عن أمر كهذا، فالأمر لا يتوقف فقط عند سياسات مركزية لتوزيع الدعم على المحتاجين، ولكن أيضا بتنزيل سليم لسياسة القرب واللاتمركز الإداري، لأنها ليست مجرد تسهيل للمواطنات والمواطنين، ولكن أيضا توفير لإنفاقات كبيرة يصرفونها من أجل الحصول على حقوقهم المدنية.

وهنا يأتي دور المجالس المنتخبة، فتوفير الخدمات الأساسية، وتسهيل المساطر، هو في صلب السياسات الاجتماعية، ففاطمة التي كانت تضطر يوميا لصرف خمسين درهما لكراء سيارتي أجرة على مرحلتين من أجل الوصول إلى محطة القطار، كي تنتقل إلى مقر عملها في الدار البيضاء، اليوم تصرف أربعة دراهم ونصف تركب بها حافلة النقل العمومي التي تنقلها مباشرة إلى وجهتها، وتوفر لها مئات الدراهم شهريا لتصرفها في شؤون أخرى.

لكن هل ننتبه فعلا إلى أدوار الجماعات المحلية في هذا السياق؟

هل الخدمات المقدمة اليوم للمواطن تستوفي شرط القرب واللاتمركز؟

أكيد أن الأمر لم يعد كما كان عليه على عهد أيام “السي علي” ولكن لا شك أن هناك المزيد للقيام به، خصوصا حينما نتحدث عن مدينة مليونية كمدينة سلا، تخيلوا معي لو أننا وفرنا زمن الأفراد أكثر، ووفرنا مصاريفهم أكثر، فقط من خلال تنزيل سياسات تحقق مبدئ القرب، وخدمات تبسط المساطر، أي أثر سينعكس حينها على المدينة؟

أنا فقط أتخيل، وللمجالس المنتخبة واسع النظر.

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)